«رمان قندهار» 
يزهر أشعارا نسائية
مختارات بالعربية لقصائد من
الشعر الشعبي النسائي في افغانستان
أنعام كجه جي 



شعر جميل، وانوثة مبدعة جريئة، وشرق ساحر، اجتمعت كلها في كتاب صدر حديثا في القاهرة بعنوان «رمان قندهار» قامت بتعريبه الصحافية التونسية جليلة الدخلاوي. 
يضم الكتاب مختارات من الشعر النسائي الشعبي في افغانستان، جمعها قبل وفاته المأساوية الاديب الافغاني الكبير السيد بهاء الدين المجروح، ثم درسها وحققها وعلّق عليها ووضعها في سياقها من الادب الشعبي وقدمها الى قراء الفرنسية بالتعاون مع صديقه اندريه فالتر. 
انها قصائد أخاذة، تتغنى بالعشق وبالانوثة وتتسربل بالكيد العظيم وتطالب المعشوق بأن يكون بطلا في الدفاع عن الوطن قبل ان يصول ويجول في ساحات الغرام. وهي ارتجالات شفهية قيلت بلغة البشتو، ليست مخصصة للخطابة، لها قوافيها واوزانها الخاصة التي تلائم الغناء الايقاعي. 
يقول المجروح الذي دوّن هذه القصائد القصيرة التي غالبا ما تنتهي بضربة تشبه رنة قبلة او صفعة، ان هذه الارتجالات «غناء دنيوي، لا يمجد الحب الصوفي ولا يطمح لبلوغ اليقين. غناء يحتفل بالهموم الصغيرة والقلق والفرح واللذة، مثلما يحتفل بالطبيعة الافغانية وجبالها ووديانها وغاباتها وانهارها. غناء يتغذى من الحرب والشرف ايضا، العار والحب، الجمال والموت». 
توقعنا مطالعة هذه القصائد في الحيرة. كيف خرجت هذه المعاني والرغبات الفائقة الجرأة من مجتمع لم نسمع عنه سوى أخبار القمع والمنع والحجر والتكفير والتحجيب والتحريم؟ ان المرأة حاضرة في كل قصيدة، بل هي الناطقة المفوهة باسم الغواية، تقول كلمتها بايجاز وتمشي، مفترضة او فارضة على عاشقها ان يتبعها الى حيث حددت مكان اللقاء. 
«يريد عشيقي ان اقبّله بين غصون شجر التوت 
وانا اقفز 
من غصن الى غصن 
لأعطيه فمي». 

«اجمع الحطب 
اضرم نارا كبيرة 
فقد اعتدت ان اقدم 
جسدي في الضوء» 
هذه القصائد الموجزة تسمى «اللانداي». انها قصيرة جدا تتألف من بيتين من الشعر الحر، الاول يتركب من تسعة مقاطع والثاني من ثلاثة عشر مقطعا. لا القوافي الزامية فيها ولا الوزن، لكنها لا تخلو من ايقاع داخلي قوي. 
نقرأ في تقديم هذه الاشعار، ايضا، ان «اللانداي نابع من اناس غير متعلمين، واذا كانت هذه الاشعار بسيطة وهشة وجميلة مثل الزهور البرية التي تتفتح في السهول والجبال فلأنها تولد بدون بذور او رعاية او تهيئة خاصة. وبعبارة اوضح انها خارجة على الحقل الثقافي المقتصر على الرجال، وبالتالي فإنها تقع خارج الحقل الاجتماعي». 
اما موضوعاتها، فهي عن معاناة النساء الخاصة مع زوج طفل او مسن او بليد او «بشيع». 
وهذا البشيع يتكرر ذكره في اكثر من قصيدة، وهو الحجة التي تستند اليها قائلة الشعر لكي تنطلق الى آفاق حريتها لملاقاة الطبيعة التي تلح عليها. 
«في الكتمان احترق 
في الكتمان ابكي 
انا المرأة البشتونية 
لا تستطيع ان تبوح 
بحبها» 
*** 
«يا الهي 
ها هي من جديد 
ليلتك الطويلة الحزينة 
وها هو ذا البشيع 
ينام» 

«اعطاني القدر زوجا 
طفلا لأربيه 
حينما يكبر 
ويصير قويا 
سأصبح انا عجوزا واهنة» 
وهناك ايضا الاشعار التي تقرن شرف استحقاق الحب بشرف الدفاع عن الارض. 
«ان لم تحمل جراحك 
على صدرك 
فلن ابالي 
حتى لو كان ظهرك 
مثقوبا كالغربال» 
ثم هناك اخيرا الاشعار المخصصة لهموم السفر والغربة وهي قصائد اكثر عمقا واقل خفة، اذ غير الترحال من ظروف حياة المرأة البشتونية، وصارت تعيش داخل خيمتها، محرومة من الجري في رحاب الطبيعة، كما انها صارت ترتدي الحجاب نتيجة ضغوط المحافظين. لم تعد تعمل في الحقول، وحرم عليها الغناء والرقص في الاعراس، وصارت «مثل السمكة التي القي بها خارج النهر... تحتضر». 
«يا رب المنفيين العظيم 
الى متى ستدوم الحياة 
في هذه السهول 
القاحلة؟» 

«تزينت بثيابي القديمة 
كبستان مزهر 
في قرية خراب» 
* نشرت هذه الاشعار بعد رحيل السيد بهاء الدين المجروح. لقد اغتيل في بيشاور الباكستانية على يد مجهولين. وكان قد لجأ الى هذه المدينة للانضمام الى المقاومة ضد الغزو السوفياتي لبلاده، وكان يشرف على المركز الافغاني للاعلام في بيشاور. وبفضل دراسته في فرنسا وحصوله على الدكتوراه من احدى جامعاتها، فقد كانت للمجروح صداقات خارج الحدود جعلت منه الناطق الحقيقي باسم المقاومة امام الرأي العام العالمي. 
كان شاعرا وفيلسوفا ومترجما وباحثا، عمل عميدا لكلية الآداب في جامعة كابول قبل الغزو، ولم يتخل عن الفكر المستنير، ولم ينضم الى الشق المتطرف في المقاومة، ولم يغلق بابه بوجه أحد رغم انه كان مهددا بالموت. 
في الحادي عشر من شباط/ فبراير 1988، قبل يوم من بلوغه الستين، فتح الباب لطارق مجهول وتلقى عدة رصاصات في صدره. ويكتب عنه صديقه اندريه فالتر انه «مات لأنه تكلم بحرية». 
وهذا الشعر النسائي الشعبي هو نفحة من تلك الحرية، ولم يكن القائمون على مكتبة مدبولي في القاهرة بأقل شجاعة حين اقدموا على نشر الترجمة العربية لهذا الكتاب الذي اخذ اسمه من احدى القصائد. 
«ادخل يدك برفق 
تحت اكمامي 
فقد ازهر رمان قندهار ونضج».